فصل: تفسير الآية رقم (227):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (222):

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)}
{وَيَسْأَلُونَكَ} {التوابين}
(222)- قَالَ أَنسٌ: كَانَتِ اليَهُودُ إذا حَاضَتِ المَرْأةُ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يَجْتَمِعُوا مَعَهَا فِي البَيْتِ، فَسَألَ الصَّحَابَةُ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هذِهِ الآيَةَ.
وَسَألَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَمَّا يَحِلُ لَهُ مِنِ امْرَأتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ. فَقَالَ: «مَا فَوْقَ الإِزَارِ وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ».
وَقَدِ اتَّفَقَ الفُقَهَاءُ عَلَى أنَّ المَرَأةَ إذا انْقَطَعَ حَيْضُهَا لا تَحِلُّ حَتَّى تَغْتَسِلَ، أوْ تَتَيمَّمَ، إِنْ تَعَذَّرَ عَلَيهَا المَاءُ بِشُرُوطِهِ. فإذا طَهُرْنَ حَلَّ وَطْؤُهُنَّ فِي مَكَانِ الحَرْثِ، بَعْدَ أنْ كَانَ اللهُ قَدْ أمَرَ بِاعْتِزَالِهِنَّ فِي المَحِيضِ، وَاللهُ يُحِبُّ التَّوَابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَإنْ تَكَرَّرَ غِشْيَانُها، وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ عَنِ الأقْذَارِ وَالأذَى وَالفَواحِش.
أذىً- قَذَرٌ يُؤْذِي.

.تفسير الآية رقم (223):

{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)}
{مُّلاقُوهُ}
(223)- كَانَ اليَهُودُ يَقُولُونَ لِلأنْصَارِ: إِنَّهُ مَنْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ مُدْبِرَةٌ أَوْ مُضْطَجِعَةٌ عَلَى جَنْبِهَا جَاءَ الوَلَدُ أَحْوَلَ العَيْنَيْنِ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هذِهِ الآيَةَ مُبِيحاً فِيهَا لِلأزَوْاجِ إتْيَانَ نِسَائِهِمْ فِي مَكَانِ الحَرْثِ، وَإِنْجَابِ النَّسْلِ- وَهُوَ القُبُلُ- عَلَى أيَّةِ صُورَةٍ شَاؤُوا (عَلَى أنْ يَتَّقُوا الدُّبُرَ وَالحَيْضَةَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم).
وَيَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ بأنْ يُقَدِّمُوا لأنْفُسِهِمْ مِنَ الأَفْعَالِ الصَّالِحَاتِ، وَأنْ يَتْرُكُوا المُحَرَّمَاتِ، وَأَنْ يَتَّقُوا اللهَ، وَأَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُمْ مُلاقُوهُ، يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُحَاسِبُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ جَمِيعِها. وَيُبَشِّرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ المُطِيعينَ لَهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ، وَالتَّارِكِينَ مَا زَجَرَهُمْ عَنْهُ بِأَنَّ لَهُمُ الثَّوَابَ الحَسَنَ.

.تفسير الآية رقم (224):

{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)}
{لأَيْمَانِكُمْ}
(224)- لا تَجْعَلُوا أيْمَانَكُمْ بِاللهِ، وَحَلْفَكُمْ بِهِ مَانِعَةً لَكُمْ مِنَ البِرِّ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، إذا حَلَفْتُمْ عَلَى تَرْكِها، فَالاسْتِمْرارُ عَلَى اليَمِينِ المَانِعَةِ لِلبِّر أَكْثَرُ إِثماً لِصَاحِبِها مِنَ الخُرُوجِ مِنْها بِالتَّكْفِيرِ عَنِ الحِنْثِ بِاليَمينِ. وَاللهُ لا يَرْضَى أَنْ يَكُونَ اسمُهُ حِجَاباً دُونَ الخَيْرِ. (وَقيلَ إِنَّ مَعْنَى الآيَةِ هُوَ: لا تَجْعَلُوا اسْمَ اللهِ مُعَرَّضاً لِكَثْرَةِ الحَلْفِ بِهِ، لأنَّ ذَلِكَ يَنْفِي تَعْظِيمَ اسْمِ اللهِ، وَلأنَّ التّصَوُّنَ عَنْ كَثْرةِ الحَلْفِ بِاسْمِ الله يُؤَدِّي إلى البِرِّ وَالتَّقْوَى، وَالقُدْرَةِ عَلَى الإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ، إِذْ يَكُونُ المُتَصَوِّنُ جَلِيلَ القَدْرِ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ).
وَاللهُ سَمِيعٌ لأقْوَالِ العِبَادِ وَأَيمانِهِمْ، عَلِيمٌ بأَقْوالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَنَوَايَاهُمْ.
عُرْضَةً لأيمانِكُم- مَانِعاً عَنِ الخَيرِ لحلْفِكُمْ بِهِ عَلَى تَرْكِهِ.

.تفسير الآية رقم (225):

{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}
{ا أَيْمَانِكُمْ}
(225)- لا يُؤَاخِذُ اللهُ المُؤْمِنينَ وَلا يُعَاقِبُهُمْ عَمَّا صَدَرَ عَنْهُمْ مِنْ أيمَانٍ لاغِيَةٍ لَمْ يُقْصَدْ بِها الحَلْفُ وَعَقْدُ اليَمِينِ، وَإِنَّمَا جَرَتْ عَلَى ألْسِنَتِهِمْ عَادَةً مِنْ غيرِ عَقْدٍ وَلا تَوْكِيدٍ (كَقَولِ الرَّجُلِ بَلَى وَاللهِ، وَلا وَاللهِ، فَذَلِكَ لا إِثْمَ فِيهَ وَلا كَفَّارَةَ) وَلكِنَّ اللهَ تَعَالَى يُؤَاخِذُ الذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيءِ وَهُوَ يَقْصُدُ عَقْدَ اليَمِين، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ، وَاللهُ غَفُورٌ لِعِبَادِهِ التَّائِبينَ، حَليمٌ عَلَيهِمْ.
بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ- مَا يَجْرِي عَلَى الِلسَانِ مِمّا لا يُقْصَدُ بِهِ اليَمِينُ.

.تفسير الآية رقم (226):

{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)}
{نِّسَآئِهِمْ} {فَآءُو}
(226)- الإِيلاءُ هُوَ الحَلْفُ، وَهُوَ مِنْ ضِرارِ أهْلِ الجَاهِلِيَّةِ، إذْ كانَ الرَّجُلُ لا يُحِبُّ امرَأَتَهُ، وَيَكْرَهُ أنْ يَتَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ إنْ طَلَّقَها، فَيَحْلِفُ أنْ لا يَقْرَبَها أبداً، وَيَتْرُكَها لا هِيَ ذَاتُ زَوْجٍ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ فِي ابتِداءِ أمرِ الإِسْلامِ يَفْعَلُونَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأزَالَ اللهُ تَعَالَى بِهذِهِ الآيَةِ الضَّرَرَ عَنِ النِّسَاءِ.
فّإذا حَلَفَ الرَّجُلُ أنْ لا يُوَاقِعَ امْرَأَتَهُ كَانَتْ يَمِينُهُ لأقَلِّ مِنْ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ انْتَظَرَ انْقِضَاءَ المُدَّةِ ثُمَّ يَعُودُ إلى مُوَاقَعَتِها، وَلَيسَ لِلزَّوْجَةِ مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ بالفَيْئَةِ (أيْ العَوْدَةِ إلى مُعَاشَرَتِها مُعَاشَرَةَ الأزْوَاجِ) خِلالَ ذَلِكَ. امَّا إذا كَانَ الإِيلاءُ لأَكْثَرَ مِنْ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ، فَلِلزَّوْجَةِ مُطَالَبَةُ زَوْجِها بِالفَيْئَةِ عِنْدَ انْقِضَاءِ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ؛ وَهُوَ إمَّا أنْ يَعُودَ إلى مُعَاشَرَتِها مُعَاشَرَةَ الأزْوَاجِ، وَإِمَا أنْ يُطَلِّقَها. فَإِنْ عَادَ إلى مُعَاشَرَتِها، فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ لِمَا سَلَفَ مِنَ التَّقْصِيرِ، وَعَلَى الزَّوْجِ فِي كُلِّ حَالٍ أنْ يُرَاقِبَ اللهَ فِيمَا يَخْتَارُهُ بِحَقِّ النِّسَاءِ. وَلِلزَّوَاجُ قَائِماً.
يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ- يَحْلِفُونَ عَلَى تَرْكِ مُوَاقَعَةِ نِسَائِهِمْ.
تَرَبُّصُ- انْتِظَارُ.
فَاؤُوا- رَجَعُوا فِي عَمَّ حَلَفُوا عَلَيه.

.تفسير الآية رقم (227):

{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)}
{الطلاق}
(227)- أمَّا إذا مَضَتِ الأشْهُرُ الأرْبَعَةُ المُحَدَّدَةُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ حَوْلَ مَسْأَلَةِ وُقُوعِ الطَّلاقِ بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ المُدَّةِ، وَأكْثَرُهُمْ عَلَى أنَّ الطَّلاقَ لا يَقَعُ، فَإذا لَمْ يُطَلِّقْهَا أُلْزِمَ بالطَّلاقِ. وَاللهُ سَمِيعٌ لأيْمَانِهِمْ، عَلِيمٌ بِأحْوَالِهِمْ، وَسَيُحَاسِبُهُمْ عَلَى ذَلِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ.

.تفسير الآية رقم (228):

{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}
{المطلقات} {ثَلاثَةَ} {إِصْلاحاً}
(228)- يَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُطَلَّقَاتِ المَدْخُولَ بِهِنَّ أنْ يَتَرَبَّصْنَ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (أيْ حَيْضَاتٍ- وَقَالَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ إنَّ قُرُوءاً تَعْنِي الأطْهَارَ) اسْتِبْراءً لِلرَّحمِ، وفُسْحَةً لاحْتِمَالِ المُرَاجَعَةِ، وَبَعْدَ أنْ تَطْهُرَ المُطَلَّقَةُ مِنَ الحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ لها أنْ تَتَزَوَّجَ إنْ شَاءَتْ بِهِ. وَلا يَحِلُّ لِلْمُطَلَّقَةِ أنْ تَكْتُمَ مَا خَلَقَ اللهُ فِيهَا مِنْ حَمْلٍ إنْ عَلِمَتْ بِهِ. وَرَدَّ اللهُ الأمْرَ إليهَا، وَوَكَلَهُ إلى إيمَانِهَا، لأنَّ المُؤْمِنَةَ تُراعي أمْرَ اللهِ، وَلأنَّ أمْرَ الحَمْلِ لا يُعْلَمُ إلا مِنْ جِهَتِهَا، وَتَتَعَذَّرُ إقَامَةُ البَيِّنَةِ عَلَيهِ، وَتَوَعَّدَهَا اللهُ بِالعِقَابِ إنْ أخْبَرَتْ بِغَيرِ الحَقِّ.
والزَّوجُ الذِي طَلَّقَ المَرْأَةَ هُوَ أحَقُ بِرَدِّهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِها، إنْ كَانَ يَبْغِي مِنْ وَرَاءِها رَدِّها الإِصْلاحَ وَالخَيْرَ، وَمُعَاشَرَتَهَا بِالمَعْرُوفِ لا المَضَارَّةَ والإِيذَاءَ، وَلَمَّا كَانَتْ إِرَادَةُ الإِصْلاحِ بِرَدِّ المَرْأةِ لا تُؤْتي ثِمَارَهَا إلا إذَا قَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا عَلَيهِ مِنْ وَاجِبَاتٍ لِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: إنَّ لِلْمَرْأةِ عَلَى الرَّجُلِ مِنَ الحُقُوقِ مِثْلَ مَا لَهُ عَلَيهَا مِنْهَا، فَلْيُؤَدِّ كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ بِالمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ دَرَجَةٌ هِيَ الرِّئاسَةُ، وَالقِيَامُ عَلى المَصَالِحِ، كَمَا فَسَّرتْها الآيةُ: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النسآء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ (وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ) بِأَنَّها حَقُّ الرَجُلِ فِي رَدِّ المُطَلَّقَةِ إلى عِصْمَتِهِ فِي فَتْرَةِ العِدَّةُ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ الحَقَّ فِي يَدِ الرَّجُلِ لأنَّهُ هُوَ الذِي طَلَّقَ. وَاللهُ عَزِيزٌ فِي انْتِقَامِهِ مِنَّنْ عَصَاهُ، حَكِيمٌ في شَرْعِهِ وَتدْبِيرِهِ.
قُرُوءٍ- حَيْضَاتٍ (أوْ أطَهَارٍ).
بُعُولَتُهُنَّ- أزْوَاجُهُنَّ.
دَرَجَةٌ- مَنْزِلَةٌ أوْ فَضِيلَةٌ بِالرِّعَايَةِ وَالإنْفَاقِ.

.تفسير الآية رقم (229):

{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)}
{الطلاق} {بِإِحْسَانٍ} {آتَيْتُمُوهُنَّ} {فأولئك} {الظالمون}
(229)- لَمْ يَكُنْ لِلطَّلاقِ في أوَّلِ الإِسْلامِ وَقْتٌ وَلاً عَدَدٌ فَكَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ ثُمَّ يُراجِعُهَا. وَقَال أنْصَارِيٌّ لِزَوْجَتِهِ فِي حَالٍ مِنْ خِصَامِهِمَا: إِنَّهُ سَيَتْركُهَا لا أيِّماً وَلا ذَاتَ زَوْجٍ. فَشَكَتْ أمْرَها لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هذِهِ الآيَةَ. فَجَعَلَ الطَّلاقَ ثَلاثاً لا رَجْعَةَ فِيهِ بَعْدَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ، حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، فَلَهُ أنْ يُطَلِّقَها مَرَّتَينَ وَفِي الثَّالِثَةِ إمَّا أنْ يُمْسِكَها وَيُعَاشِرَهَا بِالمَعْرُوفِ، وَإمّا أنْ يُفَارِقَهَأ بِإحْسَانٍ. فَالطَّلاقُ الذِي يَثْبُتُ فِيهِ للزَّوْجِ حَقُّ مُرَاجَعَةِ زَوْ جَتِهِ وَهِيَ فِي العَدَّةِ، هُوَ أنْ يُوجَدَ طَلْقَتَانِ فَقَطْ، أمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَلا يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ حَقُّ المُرَاجَعَةِ، وَلا تَحِلُّ المَرْأةُ لَهُ 'لا بَعْدَ أنْ يَنْكِحَها زَوْجٌ آخَرُ.
وَسَالَ صَحَابيُّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) قَائِلاً: سَمِعْتُ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ، فَأيْنَ الثَّالِثَةُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ: أوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسَانٍ. وَنَبَّهَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَةِ المُؤْمِنينَ بِأنَّهُ لا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يُضَاجِرُوا زَوْجَاتِهِمْ، وَلا أَنْ يُضَيِّقُوا عَلَيهِنَّ لِيَضْطَرُّوهُنَّ إلى الافْتِدَاءِ بِالتَّنَازُلِ عَمَّا أَعْطُوهُنَّ مِنَ المُهُورِ وَغَيْرِهَا، أَوْ عَنْ بَعْضِ مَا أَعْطُوهُنَّ. أَمَّا إِذا تَنَازَلْنَ عَنْ طِيب خَاطِرٍ فَلا بَأسَ فِي ذَلِكَ. أمَّا إذا وَقَعَ الشِّقَاقُ بَيْنَ الزَّوْجَينِ وَخَافَا أنْ لا يَسْتَطِيعا القِيَامَ بِمَا أَمَرَ اللهُ بِهِ كُلاًّ مِنْهُمَا مِنْ حُسْنِ المُعَاشَرَةِ إذا اسْتَمَرَا فِي الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، فَلِلزَّوْجَةِ أنْ تَفتَدِيَ مِنَ الزَّوْجِ بِرَدِّ مَا أعْطَاهَا مِنْ مَهْرٍ وَغَيْرِهِ، وَلا حَرَجَ عَلَيْهَا فِي بَذْلِهَا لَهُ، وَلا حَرَجَ عَلَيهِ فِي قَبُولِهِ مِنْهَا. أَمَّا إذا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأةِ عُذْرٌ، وَسَألَتْ زَوْجَهَا الافْتِدَاءَ مِنْهُ فَذَلِكَ حَرَامٌ. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاقَهَا فِي غَيْرِ مَا بَاسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيها رَائِحَةُ الجَنَّةِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمَذِيُّ. وَقَالَ الرَّسُولُ أَيضاً. «المُخْتَلِعَاتُ هُنَّ المُنَافِقَاتُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرمَذِيُّ. وَلا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ أنْ يَأخُذَ مِنْ زَوْجَتِهِ غَيْرَ مَا أعْطَاهَا. أمَّا جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ فَيُجِيزُونَ أنْ يَأخُذَ مِنْهَا مَا يَتَّفِقَانِ عَليهِ، وَلَوْ كَانَ أكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَهَذا هُوَ شَرْعُ اللهِ وَحُدُودُهُ، فَلا يَحْلُّ لَمُؤْمِنٍ أَنْ يَتَجَاوَزَ حُدُودَ اللهِ وَشَرْعِهِ، وَمَنْ يَتَجَاوَزُها فَهُوَ مُعْتَدٍ ظَالِمٌ.
الطَّلاقُ مَرَّتَانِ- الطَّلاقُ الرَّجْعِيُّ مَرَّة بَعْدَ مَرَّةٍ.
تَسرِيحٌ بِإِحْسَانٍ- طَلاقٌ مَعَ أَدَاءِ الحُقُوقِ وَعَدَمِ المَضَارَّةِ.
تِلْكَ حُدُودُ اللهِ- أَحْكَامُهُ المَفْرُوضَةُ.

.تفسير الآية رقم (230):

{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)}
(230)- فَإنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً ثَالِثَةً، بَعْدَ أنْ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ سَابِقَتَيْنِ، فَإِنَّهَا تُحْرَمُ عَلَيهِ، وَلا يَحِلُّ لَهُ أنْ يَعُودَ إلى نِكَاحِها حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ. وَيُجْمِعُ الفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ المُرَادَ بِنَكَاحِ زَوْجٍ آخَرَ لَهَا لَيْسَ مُجَرَّدَ العَقْدِ، وَإِنَّما المُعَاشَرَةُ الزَّوْجِيَّةُ الكَامِلَةُ، لِيَكُونَ ذَلِكَ عِقَاباً لِذَوي النُّفُوسِ الضَّعِيفَةِ. وَإِنَّما المُعَاشَرَةِ الزَّوْجِيَّةُ الكَامِلَةُ، لِيَكُونَ ذَلِكَ عِقَاباُ لِذَوي النُّفُوسِ الضَّعِيفَةِ. وَلَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المُحَلِّلَ وَالمُحَلَّلَ لَهُ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنِّسَائِيُّ) وَالمُحَلِّلُ هُوَ الرَّجُلُ الذِي يَتَقَدَّمُ لِلْعَقْدِ عَلَى الزَّوْجَةِ المُطَلَّقَةِ، وَكُلُّ قَصْدِهِ هُوَ أَنْ يُحِلَّها لِزَوْجِها الأوَّلِ، وَلا يُعَاشِرُهَا وَلا يَقْرَبُها. أمَّا إذا كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي قَدْ تَزَوَّجَها بِفِكْرَةِ المُعَاشَرَةِ المُسْتَمِرَّةِ، فَإذا طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلا جُنَاحَ عَلَى زَوْجِها الأوَّلِ أنْ يَعُودَ إليها، إذَا تَرَجَّحَ لَدَى كُلٍّ مِنْهُما أنْ يَقُومَ بِحَقِّ الآخَرِ عَلَى الوَجْهِ الأكْمَلِ، الذِي حَدَّدَهُ اللهُ مِنْ حُسْنِ العِشْرَةِ، وَسَلامَةِ النِّيَّةِ، فَإنْ خَافَا حِينَ المُراجَعَةِ نُشُوزاً مِنْها، أوْ إضْراراً مِنْهُ فَالرُّجُوعُ مَمْقُوتٌ. وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَشَرائِعهُ يُبَيِّنُها لِقَومٍ يَعْلَمُونَ.